in

نقل تكنولوجيا بناء القطع البحرية بين التسهيلات والعقبات

لطالما كانت القطع الحربية البحرية رمزا لقوة الدولة وذراعا طوالى لبسط سيطراتها ونفوذها على البحار والمحيطات والسيطرة على ثراوتها ، وفى العصر الحديث كانت القطع البحرية فيصلا فى كثير من المعارك الكبري وكان من يمتلك هذه كمن يمتلك كنزا كبيرا لما يترتب على هذه الصناعة من مكاسب كثيرة من ثروات طبيعية وقوة عسكرية وقوة سياسية وفى هذا الموضوع سوف نقوم بشرح هذه التكنولوجيا ومدى تعقيدها.

 

1- تاريخ التصنيع البحري العسكري:

 

منذ اندلاع الحربة العالمية الاولى شهد العالم طفرة وتحول فى مجال التصنيع البحري العسكري وظهور السفن الحربية الثقيلة المصنوعة من المعدن الصلب والمدججة بالمدافع الثقيلة مختلفة الاعيرة والتى تعمل بمحركات الديزل والمحركات التوربينية فى خطوة كانت فريدة من نوعها ؛ ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية كان العالم مع موعد جديد فى تطور القطع البحرية حيث ظهرت القطع البحرية بشكل أكبر حجما واضخم تسليحا وتدريعا وكانت الغواصات فى هذه الحرب حاضرة وبقوة وكان لها دورا كبيرا فى تغيير مسار المعارك البحرية بعد ذالك ؛ ومع انتهاء الحرب ووصولا الى وقتنا الحالي حدث تقدم رهيب فى مجال تصنيع القطع البحرية العسكرية من حيث التكنولوجيا فى التصنيع والتجهيز والتسليح.

 

2- الصعوبات التى تواجة التصنيع البحري العسكري:

 

فى وقتنا الحالى لما يعد تصنيع القطع البحرية امرا سهلا بل اصبح اكثر تعقيدا عن ما قبل نظرا للمتطلبات التى تتطلبها القطعة البحرية للتصنيع من حيث مكاتب التصميم الفنية للقطع البحرية ؛ البنية التحتية للتصنيع ( ورش وأحواض سفن مجهزة للبناء ) وتقنية تصنيع بدن القطعه العسكرية ( تقنية الشبحية فى صناعة البدن ) وكيفية معالجة الألواح المعدنية بطريقة متطورة والتى تتطلب خبرات طويلة وتكنولوجيا متطورة لتلائم ظروف هذا العصر لتجنب الرصد من ردارات السفن المعادية.

 

وهنا تبرز أهمية الصناعات المدنية كونها مصدر الإمداد بالصلب اللازم لبناء السفن وتتطلب خبراتٍ تراكمية هائلة او نقل للمعرفة التقنية من الدول ذات الخبرة، وخاصة أن هناك سر تصنيعي لسبائك الصلب التي تدخل في صناعة البدن. ( كشركات آرسيلورميتال ArcelorMittal الأكبر عالميا والولايات المتحدة للصلب US Steel والشركات المتكاملة في اليابان وكوريا الجنوبية .. ومصر لديها شركات قوية كصلب مصر وحديد عز وبشاي )

 

هذا بالأضافة القدرة على صناعة المحركات للقطع البحرية والتى شهدت تقدم كبير فى تكنولوجيا التصنيع والعمل والانواع ( ديزل – توربينى – كهربائي – نووي ) والتى أصبحت قدراتها اكبر عن ذي قبل واكثر تعقيدا فى التصميم والتصنيع ومعدلات الأمان لها .

 

وضمن الصعوبات التي تواجه الصناعات البحرية العسكرية ؛ توافر تكنولوجيا تصميم وتصنيع الانظمة الإلكترونية للقطع البحرية ( أنظمة قيادة وسيطرة – أنظمة حرب إلكترونية – أنظمة سونار – ردارات ومستشعرات رصد وتتبع – وصلات كهربائية لتوفير الطاقة – أنظمة التسليح ….ألخ ).

 

وبناء على ما ذكرنا سابقا من متطلبات للتصنيع والأيدي العاملة الماهرة المطلوبة لتنفيذ هذا العمل يتضح لنا سبب الغلاء الكبير فى أسعار القطع البحرية العسكرية والوقت الكبير الذى تتطلبة تصنيع مثل هذه القطع المتطورة.

 

3- الدول المالكة لهذه التكنولوجيات المتطورة :

 

نظرا للمتطلبات سالفة الذكر، فقد أصبح تصنيع القطع البحرية العسكرية المتطورة مقتصرا على الدول الكبرى والمتقدمة كـ( الولايات المتحدة الأمريكية – فرنسا – بريطانيا – روسيا – الصين – اليابان – كوريا الجنوبية – ألمانيا – هولندا – إيطاليا – السويد – أسبانيا ) نظرا لما تمتلكه من تكنولوجيا وخبرات كبيرة فى هذا المجال على مدار عقود مضت بالأضافة لبعض الدول التى ظهرت حديثا فى هذا المجال ( النرويج – الدنمارك – الهند ).

 

4- قدرات الدولة التى تطلب نقل التكنولوجيا من حيث القدرة ( المالية – العلمية – التصنيعية ) :

 

من شروط إتمام الصفقات البحرية للدول التي تطلب نقل تكنولوجيا التصنيع ان تتوافر لديها القدرة المالية لإتمام الصفقة ودفع تكلفة نقل المعرفة التقنية والتدريب وغيرها من المتطلبات باهظة الثمن ، بالإضافة لتوفير القاعدة العلمية السليمة والمتطورة والأيدي العاملة الماهرة لاستيعاب هكذا تقنيات متطورة ، ويجب أن تتوافر لدى الدول المتعاقدة القاعدة التصنيعية المناسبة لنقل التقنيات المطلوبة.

 

5- العقبات التى تواجه نقل التكنولوجيا :

 

تتمثل تلك العقبات في غياب القدرة المالية للدولة لنقل تقنيات بناء السفن، عدم أمتلاك القاعدة العلمية والأيدي العاملة المهارة لأستيعاب هكذا تقنيات، تدني مستوى القاعدة التصنيعية والبنية التحتية اللازمة لبناء السفن والقطع البحرية الحديثة. كما تحتفظ الدولة الناقلة للتكنولوجيا دائماً بالسر التصنيعي للمكونات الحساسة كالمحركات وبعض / معظم الأنظمة الإلكترونية وأنظمة التسليح، والتي تتطلب مستوىً استراتيجيا من العلاقات لتسمح بنقل القدر المناسب منها. وعليه فإن الدولة المستقبلة للتكنولوجيا تكتسب الخبرات التراكمية من عمليات البناء وتعتمد على نفسها في مراحل لاحقة في عمليات البحث والتطوير لتصل لقدرة التصنيع المناسبة لبعض التقنيات الحساسة التي يتعذّر الحصول عليها من الخارج، وهذا يتطلب قدرة مالية محترمة للإنفاق على البحث والتطوير والتجارب.

 

6- تحكم السياسة فى نقل التكنولوجيا :

 

ليس من الغريب ان تتحكم السياسة فى نقل التكنولوجيا فلطالما تحكمت السياسة فى كثير من الأمور ؛ فهي تُمثّل العقبات والتيسيرات في آن واحد ؛ وتكون عاملا حاسماً طبقا لقدرة الضغط والنفوذ لكل من الدولة المصدرة للتكنولوجيا والدولة المستورده لهذه التكنولوجيا ومدى استراتيجية وأهمية المصالح المشتركة بينهما.

 

7- أمثلة لدول نجحت في نقل تكنولوجيا التصنيع البحري العسكري:

 

جمهورية مصر العربية : قامت مصر وفرنسا فى عام 2014 بتوقيع صفقة بحرية بموجبها تحصل الأولى على 4 كورفيتات طراز جوويند Gowind 2500 مع نقل التكنولوجيا لترسانة بناء السفن بالأسكندرية والتي قامت ببناء 3 كورفيتات حيث تم بناء الأول في فرنسا.

 

فى نهاية عام 2018 وقعت البحرية المصرية مع شركة ” تيسين كروب Thyssen-Krupp ” عقد بحريا بقيمة 2.3 مليار يورو تقوم بمادبه الأخيره بتزويد البحرية المصرية بـ 4 فرقاطات طراز MEKO A200 علي ان يتم تصنيع 3 قطع بألمانيا والقطعة الأخيرة بترسانة الأسكندرية.

 

ماليزيا : في أواخر عام 2011 وقعت كلا من ماليزيا وفرنسا عقداً تبلغ قيمته 2.8 مليار دولار تقوم بمجابه الأخيرة بتزويد الأولى بـ 6 قطع طراز جويند مع نقل تكنولوجيا البناء لأحواض بناء السفن بماليزيا ، في عام 2014 أعلن قائد البحرية الماليزية ان أول قطعه تم تصنيعها بأحواض السفن بماليزيا لا ترقي بالمستوي المطلوب مما ترتب عليه تأخر البرنامج وزيادة في التكلفة ودخول أول قطعة عام 2023.

 

أستراليا :

 

أولا : فى 4 أكتوبر عام 2007 وقعت أستراليا مع كل من إسبانيا والولايات المتحدة عقد بلغت قيمته 9.1 مليار دولار أمريكي بموجبه تحصل الأولى على 3 مدمرات هوبارت Hobart طراز ” ألفارو ديه باثان Álvaro de Bazán ” ونصت الصفقة على تصنيع القطع الثلاث في الأحواض الأسترالية ، وواجهت بعض العقبات الفنية والتقنية مما ترتب علية زيادة التكلفة وتأخر ميعاد التسليم لتكتمل أول مدمرة عام 2015.

 

ثانيا : في عام 2016 وقعت أستراليا وفرنسا عقداً ضخماً وصلت قيمته إلى 40 مليار دولار امريكي بموجبه تحصل الأولى على 12 غواصة ديزل ثقيلة طراز أوشن SMX® Ocean فرنسية الصنع ومن المتوقع دخول أول غواصة الخدمه عام 2030.

 

البرازيل: في عام 2009 وقعت كلا من البرازيل وفرنسا عقداً بقيمة 9.9 مليار دولار بموجبه تحصل الأولى علي 4 غواصات طراز Scorpène فرنسية الصنع تحت اسم S-BR مع نقل التكونولوجيا لأحواض البناء البرازيلية واكتملت أول غواصة وظهرت في 14 ديسمبر 2018.

 

تركيا : في عام 2009 وقعت ألمانيا وتركيا عقداً بقيمة 2.5 مليار دولار تحصل بموجبه الثانية على عدد 6 غواصات طراز تايب Type 214 ونظرا لبعض المعوقات تم تأخر البرنامج ليكتمل بناء اول غواصة في ديسمبر 2019.

 

في النهاية نرجو أن نكون قد أجبنا على جميع الأسئلة المتعلقة بهذا الأمر ونأمل أن نكون أوضحنا لمتابعينا الأعزاء مدي صعوبة تصنيع القطع البحرية العسكرية وما تتطلبه من تقنيات حديثة وقدرات مالية وعلمية وصناعية وفترة زمنية ليست بالقصيرة لبنائها على أكمل وجه.

 

 

®™Black Shark

Written by نور الدين

نور الدين من مواليد عام 1984، المغرب، هو كاتب وخبير في موقع الدفاع العربي، حاصل على ديبلوم المؤثرات الخاصة، ولديه اهتمام عميق بالقضايا المتعلقة بالدفاع والجغرافيا السياسية. وهو مهتم بتأثير التكنولوجيا على أهداف السياسة الخارجية بالإضافة إلى العمليات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إقرأ المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تخطط لاختبار إطلاق ليزر بقوة 60 كيلووات على متن الطائرة Ghostrider

البحرية الإيرانية تشتبك مع سفينة مدججة بالسلاح في الخليج العربي