in

هل يمكن أن تمتلك مصر حاملة طائرات مقاتلة ؟

أولا، وقبل الخوض في جزئية “جدوى حاملات الطائرات المقاتلة” لمصر، علينا أن نرد على الخبر الذي يصر الكثيرون على نشره على حسابات وصفحات التواصل الإجتماعي ومفاده أن مصر ستحصل على حاملة “PA2” الفرنسية.

 

في حقيقة الأمر، الحاملة PA2 هي مشروع فرنسي ملغي عام 2013 (بسبب التكلفة) ، لبناء حاملة طائرات بإزاحة 75 ألف طن ذات محركات دفع غاز توربيني، مبني في الأساس على تصميمات مشروع حاملة الطائرات البريطانية الجديدة من الفئة “الملكة إليزابيث Queen Elizabeth Class” من فرع شركة تاليس الفرنسية في بريطانيا Thales UK ، وحاليا تعتمد فرنسا على حاملة الطائرات ذات الدفع النووي “شارل ديجول Charles de Gaulle” والتي دخلت الخدمة الرسمية لدى البحرية الفرنسية عام 2001.

 

وتم تسمية المشروع PA2 اختصاراً لمُسمى “Porte-Avions 2” أو “حاملة الطائرات رقم 2” بالفرنسية، وكانت الحاملة – في حال اكتمالها – ستحمل اسم “كاردينال ريشيليو Cardinal Richelieu”.

 

أما حاملة الطائرات المُخصصة للتصدير فكان يُطلق عليها اسم “DEAC” أو DCNS Evolved Aircraft Carrier التي اعلنت عنها شركة Naval Group (أو DCNS سابقاً) وظهرت لأول مرة في معرض Defexpo India في فبراير 2014، والدولة الوحيدة التي اهتمت بها هي الهند، ولم يّذكر اسم مصر نهائيا ومطلقا.

 

قولا واحدا، لم تتعاقد مصر أو حتى تهتم بأية حاملات طائرات مقاتلة، ولم يرد هكذا خبر في أي مصدر سواء جريدة أو مجلة أو تصريح أو قناة إخبارية أو أي من المصادر المعروفة والموثقة، وكل ما ينشر بخصوص هذا الأمر هو محض هراء.

 

ثانيا، لنتعرف على ماهية “حاملة الطائرات Aircraft Carrier”

 

تُعد حاملات الطائرات أضخم القطع البحرية على الإطلاق، حيث تُعتبر قاعدة جوية عائمة على سطح البحر، تم تصميمها لحمل الطائرات المقاتلة والمروحيات لإطلاقها لتنفيذ العمليات الجوية المختلفة في المناطق البعيدة عن الدولة المالكة لهذه النوعية من القطع البحرية، ولتوفير الدعم والتغطية الجوية لباقي القطع البحرية المقاتلة (البوارج – المدمرات – الفرقاطات) المسؤولة عن ضرب أهداف العدو براً وبحراً، لتكون قادرة على تنفيذ مهامها دون التعرض لتهديدات الطيران المُعادي.

 

تُوفر حاملات الطائرات مميزات الحركية والتنقل من مكان لآخر لتكون ذراعاً طولى ضاربة في أي مكان على مستوى العالم، بعكس القواعد الأرضية الثابتة التي لا تغطي إلا المناطق القريبة والواقعة في نطاق الطيران العامل بها. ولكن على الجانب الآخر، وبسبب حجمها الهائل، فهي تُعد اهدافاً سهلة عالية القيمة ذات قدرة مناورة تكاد تكون مُنعدمة، ولا تستطيع ان تحمي نفسها بنفسها بالشكل المناسب، حيث تمتلك انظمة دفاعية محدودة لحمايتها من الضربات الجوية، مما يجعلها غير قادرة على التصدي لهجوم بحري من سفن السطح والغواصات، وحتى الهجمات الجوية المكثفة لن تكون قادرة على ردعها مُنفردة، دون وجود قطع بحرية أخرى توفر لها الحماية المناسبة.

 

لذلك نجد حاملات الطائرات دائما ماتعمل مع مجموعة قتالية تسمى “مجموعة القتال او مجموعة حماية الحاملة” أو مايعرف بـ”Carrier Strike Group CSG” ، والتي تتكون من عدد من السفن القتالية ذات مدى قتالي بعيد يسمح لها بمرافقتها (الطرادات Cruisers والمدمرات Destroyers والفرقاطات Frigates والغواصات Submarines ذات الدفع النووي أو محركات الديزل الكهربية وسفن الإمداد والتموين Replenishment Ships وكاسحات الألغام Minesweepers) ، وخاصة تلك الحاملات الحديثة المزودة بالمحركات النووية التي تضمن لها مدى قتالي مفتوح لا يحكمه إلا إمدادات الغذاء للطاقم العامل عليها.

 

حاملات الطائرات تتجاوز إزاحتها الـ 40 والـ 50 والـ 60 ألف طن كالحاملات الفرنسية والروسية والصينية والهندية، ومنها مايتجاوز الـ100 الف طن (فئة الحاملات العملاقة Supercarrier). كحاملات الطائرات النووية الأمريكية التي تعد جميعها من الفئة العملاقة، ولا يُوجد مثيل لها على مستوى العالم حتى الان، والصين هي الأقرب لامتلاك هذه الفئة مستقبلا.

 

الحاملة يعمل على متنها 1500 – 5000 فرد (بحسب فئتها وإزاحتها) مابين أطقم الحاملة والقوات الخاصة إلى جانب أطقم الطيران العامل على متنها.

 

تصل تكلفة حاملات الطائرات الأمريكية ذات الدفع النووي من فئة الـSupercarrier للطراز الأحدث ” جيرالد فورد Gerald R. Ford-Class ” حوالي 13 مليار دولار للحاملة الواحدة دون احتساب لتكلفة البحث والتطوير Research & Development R&D البالغة 4.7 مليار دولار. تكلفة تشغيل مجموعة القتال للحاملة الأمريكية المؤلفة من اللواء الجوي العامل عليها (75 – 90 طائرة أنواع [مقاتلات – أواكس – حرب إلكترونية – مروحيات]) إلى جانب 5 سفن قتالية وغواصة هجومية، بخلاف 6700 فرداً عاملاً على تلك القطع، تبلغ حوالي 6.5 مليون دولار يوميا (195 مليون دولار شهريا او 2.3 مليار دولار سنوياً)

 

تصل تكلفة حاملة الطائرات البريطانية الجديدة ذات الدفع التقليدي بمحركات الغاز التوربيني من الطراز “الملكة إليزابيث Queen Elizabeth-Class” البالغ إزاحاتها 65 ألف طن 3.1 مليار جنيه إسترليني (4 مليار دولار).

 

طبقا لتقرير مقدم من البرلمان الفرنسي، فإن تكلفة بناء حاملة طائرات جديدة ذات دفع تقليدي تصل إلى مالا يقل عن 3.5 مليار يورو (4 مليار دولار) وستصل تكلفة تشغيلها السنوية إلى 125 – 135 مليون يورو (10.4 – 11.2 مليون يورو شهرياً) دون احتساب لتكلفة تشغيل باقي مجموعة القتال المرافقة لها.

 

وبناء على ماسبق فإن التكلفة الافتراضية لحاملة طائرات تصديرية ذات أزاحة بالغة 40 – 50 ألف طن قادرة على حمل 40 طائرة أنواع، لن تقل عن 2.5 – 3 مليار يورو.

 

– ثالثا القطع المُكونة لـ “مجموعة الحماية CSG”:

 

بالنسبة للبحرية الأمريكية فإن المجموعة القتالية تتكون على الأقل مما يلي:

 

1- طرّاد صواريخ موجهة Cruiser:

 

تعد الطرادات في وقتنا الحالي هي أضخم السفن القتالية بعد حاملات الطائرات، وخاصة بعد تقاعد البوارج. ويعود تاريخ استخدام الطرادات في الأصل إلى القرن السابع عشر الميلادي.

 

تتميز الطرادات بأنظمة الرصد والتتبع والحرب الإلكترونية بعيدة المدى وواسعة النطاق، والتدريع الثقيل، والتسليح عالي الكثافة والتنوع، وخاصة في مجال الدفاع الجوي، والقتال ضد سفن السطح، وضرب الأهداف البرية في العمق، بالإضافة إلى مكافحة الغواصات. ويمكنها العمل مُنفردة نظراً لقدرتها القتالية الهائلة، إلا أنها تستخدم بشكل رئيسي في حماية حاملات الطائرات.

 

تبدأ إزاحة الطرادات من 9000 طن ويمكن ان تصل إلى 28000 طن، وهي الإزاحة القصوى للطراد الروسي النووي العملاق “بطرس الأكبر Pyotr Velikiy” من فئة طرادات “كيروف Kirov” العاملة لدى البحرية الروسية.

 

نظراً للتكلفة الهائلة للطرادات، فإنها لا تعمل إلا لدى دولتين فقط على مستوى العالم، وهما الولايات المتحدة التي تملك 22 طرادا من فئة “تيكونديروجا Ticonderoga” وازاحته 9600 طن، وروسيا التي تملك طرادا واحدا في الخدمة من فئة “كيروف Kirov” وطرادا آخر من نفس الفئة يخضع للتطوير والتجديد في الوقت الحالي وإزاحته القصوى كما أسلفت 28 ألف طن، بخلاف 3 طرادات أخرى من فئة “سلافا Slava” وإزاحته القصوى 12500 طن. ولكن كوريا الجنوبية تمتلك مدمرات ثقيلة من فئة “سيجونج العظيم Sejong The Great” يمكن أن تصل ازاحتها القصوى إلى 11 ألف طن، وهي ذات تسليح ثقيل مقارب للطرادات الأمريكية، وبالتالي، وعلى الرغم من أنها تصنفها كمدمرة، إلا أنها تعتبر طرادات على أرض الواقع.

 

تتمثل سلبيات الطرادات في تكلفتها الباهظة جدا، وحجمها الكبير الذي يزيد من فرص رصدها وإستهدافها مع مناورتها الضعيفة، بخلاف أنها غير قادرة على العمل إلا في المياه العميقة.

 

2- عدد 2 – 3 مدمرة صواريخ موجهة Destroyer:

 

تعد المدمرات ثاني أضخم سفن القتال بعد الطرادات، وطبقاً للمصطلحات البحرية، تعتبر سفينة حربية سريعة ذات قدرة جيدة على المناورة، وبقائية طويلة، مخصصة لمرافقة القطع البحرية الأكبر حجما (كحاملات الطائرات) أو قوافل سفن الشحن والسفن التجارية عالية القيمة، أو المجموعات القتالية Battle Group، وتقوم بحمايتهم ضد القطع البحرية صغيرة الحجم السريعة كثيفة التسليح والغواصات والتهديدات الجوية المختلفة.

 

المدمرات تمتلكها بحرية الولايات المتحدة متمثلة في مدمرات “أرلي بيرك Arleigh Burke” والفئة الشبحية “زوموالت Zumwalt”، وبحرية روسيا متمثلة في مدمرات “أودالوي Udaloy” و مدمرات “ليدر Leader” المستقبلية، وبحرية اليابان متمثلة في مدمرات “أتاجو Atago” و “كونجو Kongo” وبحرية الصين متمثلة في مدمرات “Type-51” و “Type-52” والمدمرة الثقيلة المستقبلية “Type-55” البالغ إزاحتها حوالي 12 ألف طن والتي تعتبر علي أرض الواقع طراد، وبحرية إنجلترا متمثلة في مدمرات “Type-45” وبحريتا فرنسا وإيطاليا متمثلة في مدمرات “هورايزون Horizon”، ومدمرات “أكيتين Aquitaine” الفرنسية (فرقاطات فريم أكيتين تُصنّف لدى بحرية فرنسا كمدمرات)، وبحرية الهند متمثلة في مدمرات “كولكاتا Kolkata” و”دلهي Delhi”.

 

* يمكن الإستعاضة عن المدمرات بالفرقاطات الثقيلة Heavy Frigate التي تصنفها بعض الدول كدمدرات (كالفريم كما أسلفت) فهي الأقرب حجماً وتسليحاً لها، وتُعتبر الخيار الإقتصادي الأول للدول الغير قادرة على إمتلاك وتشغيل المدمرات وترغب في امتلاك قطع حربية ثقيلة. تتجاوز إزاحتها الـ5000 طن وتصل إلى 6000 و7000 طن، ومنها ماهو مُتعدد المهام قادر على تنفيذ مختلف أعمال القتال ضد السفن والغواصات والطائرات، ومنها ماهو ذات قدرات مُعززة بشكل بارز في مهام مكافحة الغواصات او الدفاع الجوي او القتال ضد سفن السطح، وأشهرها الفرقاطة الثقيلة الفرنسية-الإيطالية “فريم FREMM” التي تملكها البحرية المصرية وتبلغ إزاحتها 6000 طن.

 

* هناك أيضا فئة الفرقطات المتوسطة/الخفيفة Light/Medium Frigates والتي تتراوح إزاحتها مابين 3000 و5000 طن، ومنها كذلك ماهو شامل لكل المهام أو مُعزز القدرة في مهام بعينها كمكافحة الغواصات او الدفاع الجوي، وتُعد الاكثر انتشاراً بين بحريات دول العالم، نظرا لتكلفة الشراء والتشغيل الاقتصادية، وتتميز بقدرات جيّدة – حسب التجهيز – لمرافقة وحماية القطع الأكبر حجما كالحاملات في المهام متوسطة وقصيرة المدى.

 

* تكلفة المدمرة الواحدة لن تقل عن 1.5 مليار دولار كحد أدنى وتتحدد بحسب التجهيزات والتسليح المطلوبين، وتكلفة الفرقاطة الثقيلة يمكن أن تصل إلى / تتجاوز 1 مليار دولار.

 

3- على الأقل غواصة نووية هجومية Nuclear Submarines:

 

ويقصد بها الغواصات العاملة بالطاقة النووية وتعمل عادةً بشكل رئيسي مع أسطول حماية حاملات الطائرات نظراً لمداها الكبير جداً والذي يؤهلها للقيام بهكذا مهام، بخلاف ازاحتها الضخمة وتسليحها الثقيل والذي يتمثل بشكل رئيسي في الصواريخ الجوالة بعيدة المدى، والطوربيدات المضادة للسفن والغواصات، بجانب القدرة على انزال أعداد كبيرة من عناصر القوات الخاصة للقيام بمختلف المهام مثل غواصات الـ “أكولا Akula” الروسية والـ “أستوت Astute” الإنجليزية والـ”روبي Rubis” الفرنسية والـ”فيرجينيا Virginia” الامريكية.

 

* لم نتطرق إلى أسلحة الردع المتمثلة في الغواصات النووية المسلحة بالصواريخ الباليستية الحاملة للرؤوس النووية العابرة للقارات Submarine Launched Ballistic Missile SLBM كالـ”أوهايو Ohio” الأمريكية، والـ”بوري Borei” الروسية والـ”ترايومفانت Triomphant” الفرنسية والـ”فانجارد Vanguard” الإنجليزية والـ”أريهانت Arihant” الهندية والـ”Type 094″ الصينية.

 

* يمكن الإستعاضة عن الغواصات النووية بغواصات الديزل التقليدية Diesel-Electric Submarines العاملة بمحركات الديزل الكهربية، وتمتلكها معظم بحريات العالم، وتتسلح بالصواريخ المضادة للسفن والطوربيدات المضادة للسفن والغواصات، كما يحمل بعضها صواريخ الكروز المضادة للأهداف البرية في العمق، وتعتبر علي وجة الخصوص البديل الإقتصادي والأنسب للدول الغير عظمى المالكة / التي ستمتلك حاملات للطائرات / المروحيات والغير مالكة للغواصات النووية كمصر واليابان وإسبانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية وأستراليا وتركيا.

 

* تكلفة شراء غواصة ديزل حديثة لن تقل عن 500 مليون يورو بأي حال من الأحوال للغواصات الألمانية والفرنسية، ولا تقل عن 300 – 400 مليون دولار للغواصات الروسية والصينية.

 

4- سفن الإمداد والتموين Replenishment Ships التي توفر إمدادات المؤن والمياه والمستلزمات الطبية والوقود والذخائر، كما تحتوي السفن الحديثة منها علي مستشفيات عالية التجهيز شاملة جميع التخصصات. وتوفر هذه السفن ميزة البقائية والاستمرارية القصوى للقطع القتالية في أعالي البحار والمحيطات دون الحاجة للعودة لقواعدها لإعادة التزود بالوقود او المؤن والذخيرة.

 

5- القوة الجوية العاملة على متن الحاملة

 

لن نتحدث عن القوة الجوية العاملة على متن حاملات الطائرات الأمريكية العملاقة التي يصل قوامها إلى 75 – 90 طائرة من مُختلف الأنواع كما أسلفنا، بل سنتحدث مباشرة عن الحالة المصرية بفرضية التعاقد على حاملة طائرات من الفئة التي لن تزيد حمولتها عن 40 طائرة.

 

في هذه الحالة ستكون هناك حاجة إلى مالا يقل عن 32 طائرة مُقاتلة بحرية للعمل على متن الحاملة ومعها مالا يقل عن 12 – 16 مقاتلة أخرى جاهزة في القواعد الأرضية لاستعواض الخسائر، وخاصة أن مصر دولة غير مُصنّعة للطائرات المقاتلة، وبالتالي فإن خسارة أية طائرة مقاتلة على متن الحاملة ستتطلب استعواضها بأخرى على الفور لعدم الإخلال بقوة الطيران البحري المقاتل اما الجانب المعادي. وسنضيف على ماسبق عدد 2 طائرة أواكس AWACS للإنذار المبكر والقيادة والسيطرة المحمولة جواً حيث سيتم تقسيم مهام الدورية والمراقبة عليهما بالتبادل. وأخيرا 6 مروحيات بحرية لمهام النقل والإنزال للقوات الخاصة والبحث والإنقاذ ومكافحة الغواصات. وبذلك يكون المجموع 40 طائرة.

 

وبالحديث عن مقاتلات بحرية قوية بتقنيات عصرية ومتطورة كالـRafale M الفرنسية او الـF/A-18 Super Hornet الأمريكية فسعر المقاتلة لن يقل عن 90 – 100 مليون دولار بأي حال من الأحوال، دون احتساب للذخائر وقطع العيار والدعم الفني والتدريب والبنية التحتية.

 

سعر طائرات الإنذار المبكر والتحكم المحمول جواً الأمريكية E2D Advanced Hawkeye التي تعد الوحيدة المُخصصة للعمل على متن حاملات الطائرات في العالم، يتجاوز 400 مليون دولار للطائرة الواحدة ( اليابان طلبت 4 طائرات بقيمة 1.7 مليار دولار )، ولا تُوجد طائرة أخرى مماثلة يُمكنها أن تؤدي نفس المهمة، اللهم إلا المروحية الروسية البحرية Ka-31 المُخصصة للإنذار المبكر، والتي لا ترتقي قدراتها في الإنذار المبكر لربع قدرات عين الصقر الأمريكية المُزوّدة برادار عملاق ذو مصفوقة إزاحة الطور النشط AESA وقدرات معالجة آنية ووصلات بيانات عالية التطور ومدايات مسح جوي بعيدة تتجاوز 650 كم وقدرات تتبع لأكثر من 2000 هدف في آن واحد ( تم ذكر مواصفات النسخة E2C Hawkeye 2000 لعدم توافر بيانات دقيقة عن الـE2D Advanced Hawkeye ).

 

6- البنية التحتية والدعم الفني والعنصر البشري

 

إن امتلاك حاملة طائرات يتطلب توفير البنية التحتية اللازمة في القواعد البحرية من أرصفة مُخصصة وعمق كافي لاستعياب غاطسها الكبير، بالإضافة إلى الأحواض الجافة المُخصصة للعمرة والصيانة. ناهيك عن ضرورة توفير كميات خرافية من الوقود والمؤن والذخيرة والمياه ومختلف الإمدادات الحيوية لتشغيل وحش بهذا الحجم، ومعه باقي الوحوش الصغيرة الأخرى ( الفرقاطات والغواصات وسفن الدعم ) بكل من عليها وماعليها من أفراد وطائرات ومعدات وأنظمة.

 

وبالحديث عن العنصر البشري، فنحن نتحدث عن ضرورة توفير قوة بشرية قوامها 3000 – 4000 فردا مابين ضباط / صف ضباط بحريين في مختلف التخصصات (قيادة – ملاحة – اتصالات – حرب إلكترونية – تسليح – رادارات – مهندسين/فنيين)، بخلاف أطقم الطيران من طيارين وملاحين ومهندسين وفنيين، وأيضا ضباط الدفاع الجوي (المسؤولين عن تشغيل منظومات الدفاع الجوي على القطع البحرية)، وبكل تأكيد عناصر القوات الخاصة البحرية، وأخيرا المجندين.

 

لا شك في أن هذا العدد الهائل من الأفراد سيتم تدبيره من الأطقم الموجودة بالخدمة الحالية، مما يعني فراغاً هائلاً سيؤثر على التشغيل العملياتي للقطع البحرية العاملة، وبالطبع ستظهر الحاجة الماسّة للتعويض الفوري بآخرين جُدد، وبالتبعية ضرورة زيادة أعداد الطلبة المنضمين للكلية البحرية وكذا صف الضباط والجنود، مما سيتطلب معه رفع مخصصات الأفراد من رواتب، تامين، إعاشة … إلخ لتغطية الزيادة الكبيرة.

 

الخلاصة:

 

بالنظر للتكاليف السالف ذكرها لبناء وتشغيل حاملات الطائرات، إلى جانب القوة الجوية العاملة عليها، مُضاف لها تكاليف شراء / بناء قطع بحرية جديدة لمرافقة الحاملة والتي لن يقل عددها عن 6 كحد أدنى، وتكاليف البنية التحتية والقوة البشرية فنحن نتحدث عن مالا يقل عن 20 مليار دولار !!

 

هذا الرقم بالنسبة إلى دولة بأوضاع مصر الإقتصادية الحالية هو كارثي بكل المقاييس، وبدلاً من إنفاقه على ماسبق، يمكن استثماره على مدار 10 سنوات لدعم ترسانات بناء السفن الوطنية لنقل وتوطين تكنولوجيا بناء القطع البحرية، لبناء الفرقاطات الثقيلة والغواصات، إلى جانب الاستثمار في برامج تصنيع الصواريخ الجوالة المُطلقة جوا وبحراً وبراً والذخائر الذكية، والإلكترونيات الدقيقة للطائرات والمدرعات والسفن. هذا إلى جانب تدبير طائرات التزود بالوقود جواً لدعم قدرات القوات الجوية لتنفيذ العمليات بعيدة المدى على المستوى الاقليمي، وذلك لتكوين مجموعة من الأذرع الطولى القادرة على تحقيق الردع ضد أية عدائيات مُحتملة دون الحاجة لتكبّد الجهود المُضنية لامتلاك حاملة الطائرات بما تجلبه معها من متطلبات هائلة.

 

بكل تأكيد إمتلاك حاملة طائرات مقاتلة هو حلم يراود الجميع، وحتى قائد القوات الجوية السابق ووزير الطيران الحالي الفريق طيار / يونس المصري، سبق وأن صرح في ذكرى عيد القوات الجوية في اكتوبر 2016، أن حاملة الطائرات المقاتلة حلم للقوات المسلحة تماماً كما كانت حاملة المروحيات ” ميسترال ” حلم لها. ولكن تحويل هذا الحلم إلى واقع في وقتنا الحالي وفي ظل قدرتنا الإقتصادية الحالية هو اللامنطق بعينه.

 

لكن إذا كنا نتحدث عن المدى الطويل، أي خلال فترة لا تقل عن 10 سنوات، فإنه من غير المستبعد أبدا تحقيق هذا الحلم، بالتزامن مع التصور المُستهدف للدولة عام 2030 ( الرؤية الإستراتيجية مصر-2030 )، ويُمكن أن يكون مقبولاً، باعتبار أن الإقتصاد المصري -ذات المؤشرات الحالية المبشرة- سيكون في ذلك الحين قد حقق قفزات نوعية هائلة، وحقق التصنيع الحربي هو الآخر قفزة نوعية حقيقية، وتضاعفت مخصصات الدفاع في الموازنة العامة للدولة، وانتهت القوات المسلحة من استعياب كافة الأنظمة الحديثة وعلى رأسها حاملتي المروحيات ” الميسترال ” وكيفية تشغيلها بمرافقة مجموعات القتال والحماية وتنفيذ مهام القيادة والسيطرة والربط المعلوماتي والبياناتي على أعلى المستويات بأقصى درجات الإتقان والإحترافية، بما يكفي لتأهيلها للإنتقال للمستوى الأعلى بإمتلاك وتشغيل حاملات الطائرات المقاتلة. فشتّان بين دخول حاملتي الميسترال الخدمة ( أو أي سلاح آخر أياً كان نوعه ) كقدرة تشغيل أوّلي Initial Operational Capability IOC وبين الوصول لقدرة التشغيل القصوى لها Full Operational Capability FOC التي تتطلب وقتا ليس بالقليل.

 

بناء القوة العسكرية الحديثة والعصرية يتطلب الجهد والوقت والتمويل، ولن يتحقق إلا بوجود قرار سياسي وإقتصاد قوي وتعليم وبحث علمي عصريين يعملان على خدمة القطاعين المدني والعسكري، وهنا فقط يُمكننا القول بأننا قد أصبحنا دولة عظمى وقوة إقليمية حقيقية على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا.

 

 

* الصور:

صورة لحاملة الطائرات الأمريكية “رونالد ريجان Ronald Reagan” ومعها مجموعة القتال رقم 5 Carrier Strike Group Five المرافقة لها، إلى جانب عدد من المدمرات التابعة للبحرية الكورية الجنوبية، أثناء تنفيذ التدريب البحري المشرتك “الروح المنيعة Invincible Spirit” في مياه المحيط الهادىء بالقرب من شبه الجزيرة الكورية في أكتوبر 2016.

 

Image may contain: 1 person

 

صورة لنموذج حاملة الطائرات الفرنسية المعروضة للتصدير Evolved Aircraft Carrier.

 

محمد الكناني

Written by نور الدين

نور الدين من مواليد عام 1984، المغرب، هو كاتب وخبير في موقع الدفاع العربي، حاصل على ديبلوم المؤثرات الخاصة، ولديه اهتمام عميق بالقضايا المتعلقة بالدفاع والجغرافيا السياسية. وهو مهتم بتأثير التكنولوجيا على أهداف السياسة الخارجية بالإضافة إلى العمليات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إقرأ المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الولايات المتحدة تعرض على تركيا 100 مليار دولار للتخلي عن صفقة إس-400 مع روسيا

فيديو: إطلاق وابل من الصواريخ من غزة باتجاه عدة مدن إسرائيلية