in

تصعيد دبلوماسي مصري أمام إثيوبيا

في ضوء التعنت الإثيوبي الأخير فيما يخص مفاوضات سد النهضة الثلاثية مع مصر والسودان، بدأت القاهرة تصعيداً دبلوماسياً أما أديس أبابا، كمسلك جديد لإشراك المجتمع الدولي كطرف رابع في المفاوضات للضغط على الجانب الإثيوبي، وفي إطار تمسك الجانب المصري برؤيته حيال فترة ملء خزان السد، لتجنب الآثار السلبية المتوقعة.

 

فقد بدأ التصعيد المصري من خلال إبلاغ وزير الخارجية سامح شكري ، وزراء الخارجية العرب بآخر التطورات في المفاوضات، خلال الاجتماع الذي انعقد بمقر جامعة الدول العربية منذ أسبوعين، وطرح خلاله الرؤية المصرية حول السد، وأعرف عن عدم ارتياح مصر بشأن ما آلت إليه المفاوضات. وقد أيد وزراء الخارجية العرب الرؤية المصرية التي تتطلع لتكثيف المفاوضات الثلاثية وفقا لإطار زمني مقبول للتوصل لاتفاق ملزم قانونا يراعي مصالح الأطراف الثلاثة.

 

وكخطوة ثانية للتصعيد، قام نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية السفير حمدي سند لوزا، بدعوة سفراء الدول الأوروبية المعتمدين لدى القاهرة لاطلاعهم على آخر مستجدات المفاوضات الخاصة بسد النهضة الأثيوبي.

 

وأعرب نائب وزير الخارجية، فى بيان للوزارة عن عدم ارتياح مصر لطول أمد المفاوضات، موضحاً أن مصر قدمت للجانب الأثيوبي طرحاً عادلاً لقواعد ملء وتشغيل السد يحقق أهداف أثيوبيا في توليد الكهرباء من سد النهضة ويحفظ في نفس الوقت مصالح مصر المائية، وهو طرح مبني على المناقشات التي تمت بين البلدين في هذا الشأن وعلى الالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015 بالخرطوم والذي يقضي باتفاق الأطراف الثلاث على قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة.

 

ثم يأتي التصعيد الثالث مُتمثلا في كلمة السيد الرئيس / عبدالفتاح السيسي أمام جمعية الأمم المتحدة في دورتها الـ74، التي أكد فيها نصاً على أن مياه النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة و قضية وجود، وأن مصر أعربت عن تفهمها لشروع إثيوبيا فى بناء سد النهضة، رغم عدم إجرائها لدراسات وافية حول آثار هذا المشروع الضخم، بما يراعي عدم الإضرار بالمصالح المائية لدول المصب، ومنها مصر، بل وبادرت مصر بطرح إبرام إتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة، المُوقّع في الخرطوم في 23 مارس 2015، والذي أطلق مفاوضات إمتدت لـ4 سنوات، للتوصل لإتفاق يحكم عمليتي ملء و تشغيل سد النهضة، إلا أنه -ومع الأسف- لم تفض هذه المفاوضات إلى نتائجها المرجوة.

 

أضاف خلال كلمته أن إستمرار التعثر فى المفاوضات حول سد النهضة، سيكون له إنعكاساته السلبية على الإستقرار، وكذا على التنمية في المنطقة عامة، وفي مصر خاصة. وهو ما يضع مسئولية كبرى على المجتمع الدولي، للإضطلاع بدور بناء، في حث جميع الأطراف على التحلي بالمرونة، سعياً للتوصل لإتفاق مرضٍ للجميع.

 

ليس ذلك فحسب، بل أوضح الرئيس السيسي، خلال حواره مع الشخصيات الأمريكية المؤثرة داخل المجتمع الأمريكي، أن أحد التحديات التي واجهت الدولة نتيجة أحداث 2011 هو إقامة مشروع سد النهضة ليؤثر على مصر وأبنائها، وكان من المفترض أن يتم إقامة مفاوضات مع الجانب الإثيوبي لو كانت الدولة المصرية متواجدة في هذا التوقيت، مضيفاً : ” عندما ضعفت الدولة المصرية كان هناك ثمنا دفعه المصريون وستدفعه الأجيال القادمة “. وتابع : ” إحنا مش ضد التنمية، إحنا عايزين كلنا نعيش وكلنا ننموا، وكل بلد لديها تحديات، ونحن لسنا ضد إقامة السدود، لكن ليس علي حساب مصر والإضرار بها “.

 

وشدد الرئيس علي أنه ” لن يتم تشغيل السد بفرض الأمر الواقع، لأننا ليس لدينا مصدر آخر للمياه سوي نهر النيل “، مشيراً إلي أن 95% من مساحة مصر صحراء، وأن أي إضرار بالمياه سيكون له تأثير مدمر علي المصريين، مشددا : ” نحن مسئولون عن أمن مواطنينا “.

 

هكذا تبدأ مصر مرحلة جديدة في ملف سد النهضة، تعتمد خلالها على قوتها الدبلوماسية وتأثيرها ونفوذها الدوليين، ومُعلنة خلالها أنا لن تتنازل -تحت أي سبب وأي ثمن- عن حقوقها المائية، ولن تخضع لسياسة الأمر الواقع، مستندة إلى قوة حجتها وحقها التاريخي والقانوني والجغرافي والإنساني، في حصتها من مياه نهر النيل.

 

وبالحديث عن القوة الدبلوماسية والنفوذ، فعلينا ان نذكر النموذج الأكاديمي المصري لعناصر حساب القوة الشاملة للدولة على النحو الآتي :

 

PP = ( C + E + M + I ) x ( S + W + D )

 

وترمز الأحرف للآتي:

 

القوة المُدركة أو الملموسة : PP Perceived Power

 

الكتلة الحرجة أو الحيوية ( المساحة/الأرض – السكان/القوة البشرية ) : C Critical Mass

 

القدرة الاقتصادية : E Economic Capability ( حجم وقوة الاقتصاد ومعدل النمو والموارد )

 

القدرة العسكرية : M Military Capability ( القوات المسلحة – الحجم والتسليح والجاهزية والكفاءة والتنظيم وقدرة الردع … إلخ )

 

النفوذ الإقليمي والدولي : I Influence / Image ( القدرة على التأثير في المجال الإقليمي والدولي في مختلف الملفات والقضايا من خلال السياسة والاقتصاد والدين والفن والثقافة والرياضة .. إلخ )

 

الهدف الاستراتيجي للدولة : S Strategic Goal ( الرؤية الاستراتيجية 2030 لدولة متقدمة وعصرية وقادرة في مختلف المجالات )

 

الإرادة ( إرادة الدولة لتحقيق هدفها الاستراتيجي ) : W Will

 

القدرة الدبلوماسية : D Diplomacy Capability ( القدرة على صياغة وإدارة السياسات الخارجية التي تتبناها الدولة وتسعى من خلالها للتأثير على الأطراف الأخرى، بهدف فض وتسوية النزاعات والأزمات والحصول على التاييد المطلوب في القضايا والملفات المختلفة )

 

من المؤكد أن الكم الهائل من الاجتماعات واللقاءات التي عقدها الرئيس السيسي -وبشكل غير مسبوق- خلال تواجده في نيويورك، مع العديد من الرؤساء والمسؤولين ( 20 رئيس ورئيس وزراء وأمين عام الامم المتحدة ومدير عام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” ورئيس مجموعة البنك الدولي )، من المؤكد أنها تضمنت ملف سد النهضة، والرؤية المصرية الخاصة بملء السد، ومدى أهمية وخطورة هذه المسألة كونها تمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر، ولا تحتمل أية مساومات أو تنازلات.

 

لن نكن مبالغين إذا قلنا أن لغة الدولة المصرية خلال الفترة القادمة ستختلف عما كانت عليه سابقاً، وستشهد لهجة أكثر قوة في المسائل الحيوية، طالما لم تلتزم الأطراف الأخرى بواجباتها ومسؤولياتها تجاه الحقوق المصرية، مثلما فعلت مصر مع تلك الأطراف التزاما منها بدورها واحترامها لحقوق الغير وتحلياً منها بصبرٍ يخال معه البعض أنه ضعف، ولكنه في حقيقة الأمر لا يعدو كونه حكمة وتأنٍ وتركٌ للمساحة اللازمة للحلول الدبلوماسية.

 

محمد الكناني

Written by نور الدين

نور الدين من مواليد عام 1984، المغرب، هو كاتب وخبير في موقع الدفاع العربي، حاصل على ديبلوم المؤثرات الخاصة، ولديه اهتمام عميق بالقضايا المتعلقة بالدفاع والجغرافيا السياسية. وهو مهتم بتأثير التكنولوجيا على أهداف السياسة الخارجية بالإضافة إلى العمليات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إقرأ المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

القوات الجوية الفرنسية تتسلم صاروخ ميتيور الجو-جو

باكستان تنشر أول طائرة JF-17 تم إصلاحها محليًا