in

قصة تطوير الصاروخ الصيني الملقب بـ”قاتل حاملات الطائرات”

شاهد العسكريين الصينيين صدمة الانتصار العسكري الأمريكي في حرب الخليج 1991 على الجيش العراقي الذي كان يتفوق على الجيش الصيني نفسه ببعض التقنيات، وكان انتصار التقنيات العسكرية الأمريكية سهلاً وبخسائر قليلة تافهة بمقياس تاريخ الحروب. كما كانت تلك الحرب حافز كبير للجيش الصيني للبدء بعملية تحديث شاملة لجيشه وخاصة سلاح الجو ، حيث كان سلاح الجو الصيني حينها متخلف ولا يزال يشغل نسخ مقلدة من مقاتلات MIG-19 و MIG-21.

 

لكن حرب الخليج لم تكن الصدمة التي دفعت الجيش الصيني ليصل للقوة التي هو عليها اليوم، فقد كانت الصدمة أقرب من حدوده وتحديدا في مضيق تايوان، عندما قدمت البحرية الأمريكيية بمجموعتين من حاملات الطائرات بسفنها الحربية المرافقة بالإضافة لمجموعة سفن برمائية دعماً لتايوان تجاه التهديدات الصينية خلال أزمة 1995-1996. حينها وجد الجيش الصيني نفسه عاجزاً عن منع البحرية الأمريكية من تقديم الدعم لتايوان.

 

بعد تلك الصدمة المهينة بدأت ثورة الجيش الصيني الحقيقية لبناء قدراته لمنع تكرار التدخل البحري الأمريكي في مضيق تايوان أو في مناطق نفوذ الصين في البحار القريبة منها مستقبلاً في بحر الصين الجنوبي وبحر شرق الصين. اعتمد الصينيين استراتيجية تحريم بحري A2/AD Anti Access/Area Denial للقضاء على أي تهديد ومنعه من الوصول قريباً من مصالحهم ، وبدأت الصين بتطوير الأسلحة التي تضمن تنفيذ هذه الاستراتيجية وعلى رأس هذه الأسلحة تطوير أو ابتكار صاروخ مضاد للسفن أقوى من قدرات البحرية الأمريكية على صده ويضرب من مسافة أكبر من مدى نصف قطر مقاتلات حاملات الطائرات الأمريكية وكانت النتيجة هو الصاروخ الصيني البالستي متوسط المدى والمضاد للسفن DF-21D.

 

بعد تطويره لقب هذا الصاروخ بـ”قاتل حاملات الطائرات” رغم أنه لم يقتل أي حاملة ولا سفينة حتى الآن، بل لم يطلق أصلاً ضد أي سفينة في البحر حتى ولو في مناورة تدريبية وكل تجارب إطلاقه كانت ضد هدف في الصحراء الصينية فقط.

 

إذاً من أين أتى هذا اللقب المهيب؟ وما هي قدراته التي جعلته يلقب به؟

 

DF-21D هو أول صاروخ باليستي مضاد للسفن في العالم ASBM تم تطويره من الصاروخ الباليستي DF-21 متوسط المدى MRBM العامل بالوقود الصلب والمكون من مرحلتين والذي يحمل رأس حربي واحد بوزن 600 كغ (تقليدي أو نووي) ومدى نسخه الباليستية البرية 1700-2150 كم.

 

أما مدى النسخة المضادة للسفن DF-21D والتي هي موضوعنا فلا يوجد رقم رسمي صيني والأرقام المتداولة في المواقع العسكرية تذكر أرقام بين 1500-2700 كم وكلها توقعات، ولكن هناك تقديرات مبنية على تقارير وزارة الدفاع الأمريكية والتي ذكرت في تقرير عام 2015 أن مدى الصاروخ يصل حتى 1667 كم عن السواحل الصينية.

 

ولكن كيف لصاروخ باليستي أن يكون تهديد لهدف بحري متحرك كحاملة طائرات تبحر بسرعة 30 عقدة (أو 55 كم في الساعة)؟

 

وللجواب على هذا السؤال لابد من فهم تكتيك استخدام صاروخ DF-21D أو منظومته ككل، حيث أنه يعتمد أولاً على الإنذار المبكر عبر مجموعة أقمار صناعية وعبر رادارات “خلف الأفق” OTH-B لكشف السفن من مسافة تصل لـ3000-4000 كم، وتملك الصين رادارين “خلف الأفق” تشكل جزء من منظومة عمل صواريخ DF-21D (هذه الرادارات ترسل موجاتها إلى طبقة الأيونوسفير في الغلاف الجوي لترتد عنها إلى سطح البحر ثم ترتد مرة أخرى إلى طبقة الأيونوسفير عبر نفس المسار إلى الرادار المستقبل محددة وجود أهداف، ولكنها لا تحدد بدقة الموقع بل تعطي إنذار بوقت كافي.

 

وبعد الحصول على الإنذار بوجود سفن معادية تقترب من منطقة التحريم البحرية، تبدأ منظومات الاستطلاع والتي تتضمن أيضاً درونات ومجموعة أقمار صناعية صينية باسم Yaogan (وتملك الصين 32 – 35 قمر Yaogan تتنوع بين أقمار استطلاعية مزودة بأجهزة رصد كهروبصرية تصور ليلاً ونهاراً وأقمار بقدرات تصوير نهارية فقط وأقمار بقدرات SAR وأقمار بقدرات استخبار ELINT) تبدأ هذه الأقمار بتحديد موقع الأهداف بدقة عالية لتحميلها لصاروخ DF-21D وإطلاقه باتجاه الأهداف. يقطع الصاروخ جزء من مساره خارج الغلاف الجوي قبل أن ينفصل الرأس الحربي المناور ليتابع مساره إلى الأرض فوق الهدف بسرعة تصل حتى 10 ماخ وبقدرة مناورة عالية (حسب التقديرات قوة مناورة الرأس الحربي في المرحلة الأخيرة تصل وربما تتجاوز 25G). وخلال فترة منتصف المسار وحتى بعد إنفصال الرأس الحربي يستمر تحديث إحداثيات الهدف من قبل منظومات الاستطلاع وإرسالها للصاروخ لتصحيح المسار حتى إصابة الهدف.

 

وحسب دراسات عسكرية 2015 فإن المدة التي يبقى فيها الهدف خارج متناول الأقمار الصينية Yaogan هي 90 دقيقة في اليوم فقط. وبعد 2015 أطلقت مجموعة جديدة من الأقمار Yaogan عددها 17 قمر، أي أن رقم 90 دقيقة أصبح قديماً. وللعلم أيضاً بعض الأقمار تكون ثلاثة توائم من الأقمار تعمل بطريقة التثليث لتحديد موقع الهدف بدقة خاصة أقمار Yaogan من النوع الاستخباري ELINT وبكل طلعة من هذا النوع يمكن مسح دائرة نصف قطرها 3500 كم وبعض الأقمار التوائم الثلاثية من النوع الاستطلاعي المزود بكاميرات كهربصرية.

 

ولكن ما هي قدرات الأمريكيين في التصدي لهذا الصاروخ؟ وهل يعقل أنهم لا يستطيعون التصدي له؟

 

حتى وقت قريب كان خيار الأمريكيين باعتراض صاروخ DF-21D بالصواريخ هو الخيار الأصعب، فالسفن الحربية الأمريكية مزودة بصواريخ SM-3 التي مهمتها التصدي للصواريخ خارج الغلاف الجوي وهذا يعني أنه ليتم التصدي له بصاروخ SM3 يجب أن يكون صاروخ DF-21D خارج الغلاف الجوي وهذا يكون فقط أثناء مرحلة منتصف المسار، ومساره خارج الغلاف الجوي قصير ولتنجح عملية اعتراضه خارج الغلاف الجوي تتطلب معرفة وقت إطلاق صاروخ DF-21D ليتاح إطلاق صاروخ SM3 قبل أن ينفصل الرأس الحربي ويبدأ مناوراته ودخوله للأرض مرة ثانية، أو أن يكون مسار السفينة الحربية المسلحة بـSM3 تحت مسار الصاروخ DF-21D. وهذا يحتاج لحظ كبير ناهيك أنه إذا كان صاروخ DF-21D مزود بأشراك خداعية أثناء مساره خارج الغلاف الجوي سيزيد من صعوبة الاعتراض بشكل كبير حتى لو كانت السفينة الحربية محظوظة وتسير تحت مسار الصاروخ.

 

الصاروخ الثاني الذي مهمته اعتراض الصواريخ في البحرية الأمريكية هو صاروخ SM2 Block-4 وهو مختص بالاعتراض داخل الغلاف الجوي، ولكن ليس ضد أهداف تملك قدرة مناورة عالية كصواريخ DF-21D، والتي يمكنها أن تنفذ مناورات 25G تقريبا.

 

ناهيك عن أن السفن المزودة بصواريخ SM-2 Block-4 وSM3 لا يمكنها أن تتعامل مع أهداف كالطائرات الحربية والصواريخ الجوالة المضادة للسفن التي تحلق قرب سطح البحر وبنفس الوقت تتعامل أهداف باليستية عالية السرعة ومناورة قادمة من الغلاف الجوي للأرض، لذا يجب على بعض السفن أن تتعامل مع التهديدات الباليستية والسفن الأخرى تتعامل مع التهديدات الأخرى. و هذا يعني تخفيض قدرة التصدي وزيادة احتمال نفاذ التهديدات.

 

لذا كان الخيار الافضل للامريكيين حينها هو التشويش على رادارات الانذار المبكر خلف الأفق الصينية أو تدميرها أو التشويش على الصواريخ أثناء مرحلة منتصف المسار كي لا تتزود بالإحداثيات الدقيقة لأهدافها والتشويش البصري بالدخان على الأقمار الصينية أثناء مرورها فوق الأهداف.

 

هذه الخيارات كانت الوحيدة الممكنة حتى عام 2016 حيث أعلن الأمريكيين عن نجاح صواريخ SM6 Dual I باعتراض “هدف باليستي متوسط المدى معقد”، بهذه الجملة تم وصف الهدف. وهذه الجملة تعني أن الهدف هو صاروخ يحاكي DF-21D الباليستي المتوسط المدى والمناور. صاروخ SM6 Dual I يعتمد أسلوب اعتراض الرأس الحربي المتشظي أما باقي صواريخ الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ التي تعتمد مبدأ hit-to-kill في الاعتراض.

 

ولكن الصينيين لا ينتظرون هم أيضاً طوروا نسخة جديدة من الصاروخ DF-21D عام 2018. وذكرت تقارير صينية أن النسخة الجديدة أنهت اختبارات ما قبل النشر وأنها ستكون أقوى بـ30% من النسخة القديمة. دون توضيح في أي مجال ستكون هل المدى أم الدقة أم السرعة أم غيرها.

 

ليس فقط ذلك، بل صنعوا صاروخا جديدا بنفس الدور ASBM وهو صاروخ DF-26 الباليستي المضاد للسفن وبمدى أبعد، حيث يصل مداه حتى 4000 كم (بعض التقديرات تقول أن المدى 5500 كم). لقب صاروخ DF-26 بـGuam Killer قاتل جزيرة غوام الأمريكية الاستراتيجية في المحيط الهادي والتي تقع ضمن مداه. وحسب الإعلام الصيني فإن صاروخ DF-26 أثبت قدرة على ضرب أهداف متحركة على بعد الآف من الكيلومترات خلال تجربته بتاريخ 24-1-2019. وأظهرت صور نشرها التلفزيون الصيني بتاريخ 15-4-2018 تجهيز لواء صواريخ DF-26 مجهز بـ22 قاذف.

 

وبالتأكيد ان استخدام الصاروخ DF-21D سيكون جزء من استراتيجية A2/AD ككل والتي تتضمن أسلحة أخرى بينها صواريخ جوالة مضادة للسفن بعيدة المدى كصواريخ YJ-100 وصواريخ مضادة للسفن جوالة أسرع من الصوت بالإضافة للاشباع الصاروخي الباليستي ضد السفن كتكتيك أثناء استخدام DF-21D لاستنزاف الدرع الأمريكية ضد أهداف أخرى عادية. ومن يدري فقد تقوم الصين بتركيب صاروخ DF-21D على غواصاتها مستقبلاً خاصة أن صاروخ JL1 الذي كان عاملاً على الغواصات الصينية قبل أن يفكك وتقاعد عام 2018 هو نفسه النسخة البرية من DF-21.

 

كما أن الصين تغيرت كثيراً عن صين 1995 فهي تملك قوة بحرية بحاملات طائرات، 2 حالياً وثالثة قيد الانتهاء وستتلح بمقاتلات جيل خامس، تدعمها مدمرات ثقيلة بـ112 خلية إطلاق وفرقاطات ثقيلة كثيرة وحديثة يمكنها الخروج لمواجهة الأسطول الأمريكي بعيدا جدا عن المياه الصينية.

Written by نور الدين

نور الدين من مواليد عام 1984، المغرب، هو كاتب وخبير في موقع الدفاع العربي، حاصل على ديبلوم المؤثرات الخاصة، ولديه اهتمام عميق بالقضايا المتعلقة بالدفاع والجغرافيا السياسية. وهو مهتم بتأثير التكنولوجيا على أهداف السياسة الخارجية بالإضافة إلى العمليات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إقرأ المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الهند تنشر طائرات AN-32 وطائرات هليكوبتر من طراز Mi17 بالقرب من الحدود الصينية (مقاطع فيديو)

مصر تقترب عسكرياً من سد النهضة عن طريق إريتريا